قصة زواج والِدا الإمام أبو حنيفة النعمان تبدأ بأكل تفاحة
من قصص التراث الاسلامي: قصة الفتى الذي أكل التفاحة من فرط الجوع
هذه الحكاية وقعت في القرن الأول الهجري، حيث كان يعيش شابٌّ فقير ٌ من طُلاب العلم وكان متفرغاً ينهل العلم من علماء زمانه. وقد عرف عنه التقوى والورع والخوف من اقتراف الحرام. فحدث يوماً أن بلغ منه الجوع مبلغ الجد، فخرج من بيته علَّهُ يجد ما يسد به رمقه، فمر ببستانٍ به أشجار مثمرة ، فرفع رأسه فإذا بشجرة تفاح متدلية أغضانها على الطريق. ولم يتمالك نفسه من كثرة الجوع حتى وجد نفسه يقطف تفاحةً وهو يقول ، لن تنقص هذه التفاحة شيئاً من خيرات هذا البستان.
فجلس على الأرض وأخذ يأكلها حتى ذهب جوعه ثم انصرف إلى بيته. وبينما هو كذلك إذ بدأت نفسه تلومه وتُعَظِّم له فعلته ، فشعر بالندم ،وهذا في حقيقة الأمر هو حال المؤمن دائماً. فبدأ يفكر ويتساءل: كيف أكلت تفاحة وهي ليست من حقي ولم أستأذن صاحبها. والله إنه لذنب عظيم! لا بد أن أجد حلاً، ليسامحني صاحب البستان.
في الغد، عاد الفتى إلى البستان يسأل عن صاحبه حتى وجده، فلما التقى به، اعترف له بما اقترف قائلاً: يا عم بالأمس بلغ بي الجوع مبلغاً عظيماً ، فمررت ببستانك وأكلت تفاحةً من غير أن أستأذن أحداً . ولم أنم الليلة من شدة ندمي. وها أنا أمامك أعتذر وأطلب الصفح والمسامحة. فقال له صاحب البستان: والله لا أسامحك! بل أنا خصيمك عند الله يوم القيامة .
اندهش الشاب المؤمن وبدأ جسمه يرتعش من الخوف وأخذ يبكي ويتوسل إلى صاحب البستان علَّه يسامحه، فإنه لا يقوى على هذا الذنب! فقال له أنا مستعد أن أفعل أيّ شي وأن أخدمك مقابل أن تسامحني ولم يتوقف عن التوسل والطلب، وبينما الشاب يحترق من قلبه، كان صاحب البستان لا يبالي بما يقول ، بل ازداد رفضاً و إصراراً وأكثر من ذلك، تركه وانصرف إلى حال سبيله. والشاب يتعلق بثوبه يريد العفو والمسامحة حتى وصل الرجل إلى منزله ودخل. لكن الشاب بقي عند الباب ينتظر خروجه لصلاة العصر! فلما خرج صاحب البستان وجد الشاب لا زال واقفاً وقد بدا عليه التعب والإرهاق ، فنظر الرجل إلى عينيه المغرورقة بالدموع والتي
أضافت إلى وجهه نوراً إلى نور الطاعة والعلم. فقال الشاب لصاحب البستان: يا عم أنا مستعد للعمل فلاحاً في هذا البستان طول عمري دون أجر أو فعل أي أمر يرضيك على أن تسامحني على ما فعلت.
عندها طأطأ صاحب البستان رأسه وأخذ يفكر هنيهة ثم قال : يا بني إنني مستعد أن أسامحك الآن لكن بشرط!
تهلل وجه الشاب بالفرح وقال : اشترط يا عم، فأنا طوع أمرك!
فقال صاحب البستان : شرطي هو أن تتزوج ابنتي الوحيدة.
استغرب الشاب من هذا الجواب وذُهِل ولم يستوعب بعد هذا الشرط ثم أكمل صاحب البستان قوله : ولكن يا بني اعلم أن ابنتي عمياء وصماء وبكماء وأيضاً مقعدة لا تمشي. ومنذ زمن وأنا أبحث لها عن زوج أستأمنه عليها ويقبل بها بجميع مواصفاتها التي ذكرتها فإن وافقت على الشرط سامحتك. ثم انصرف الرجل إلى صلاته.
عندها ذُهل الشاب بهذه المصيبة ولم يدري ما يقول ولا ما يفعل ! وبدأ يفكر كيف يعيش مع هذه العِلَل خصوصاً أنه لازال في مقتبل العمر؟ وكيف تقوم بشأنه وترعى بيته وتهتم به وهي بهذه العاهات ؟
بدأ يحسبها من كل الجوانب وتذكر ذنبه فقال في نفسه: ما لي حيلة إلا أن أوافق! سأصبر عليها في الدنيا ولكن أنجو من ورطة التفاحة يوم القيامة.
وبعد الاستخارة، توجه إلى صاحب البستان وقال له : يا عم لقد قبلت ابنتك وأسال الله أن يجازيني على نيتي وأن يعوضني خيرأ مما أصابني فقال صاحب البستان:
حسناً يا بني، موعدك الخميس القادم عندي في البيت لوليمة زواجك وأنا أتكفل لك بمهرها.
فلما كان يوم الخميس جاء هذا الشاب متثاقل الخطى… حزين القلب… منكسر الخاطر… ليس عليه علامة الفرح والانشراح كأي زوج يوم زفافه. فلما طرق الباب فتح له أبوها وأدخله البيت، وبعد أن تجاذبا أطراف الحديث قال له يا بني: