الجمال مطلب وأمنية كل نفسٍ سوية، وقلما تجد نفساً تستبشع المنظر الحسن إلا وبدواخلها مشكلةٌ نفسيةٌ أو أزمةٌ اجتماعية، والجمال مطلوبٌ بالأخص في الزوجين كي تتآلف النفوس وتدوم أواصر الود، فقد خلق الله المرأة مخلوقاً جميلاً يصعب مقاومة سحره وخاصةً من طرف الرجال، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن» (صحيح البخاري: 1462).
والوصية النبوية في ضرورة نظر الخاطب لخطيبته أشهر من أن تذكر، فعن المغيرة بن شعبة، قال: خطبت جاريةً من الأنصار، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: « رأيتها» ؟ فقلت: لا فقال: «اذهب فانظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» (صحيح ابن ماجة 1523)، فذكرت ذلك لوالديها، فنظر أحدهما إلى صاحبه، فقمت، فخرجت، فقالت الجارية: علي بالرجل قال: فرجعت، قال: فرفعت ناحية خدرها، وقالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر فانظر، وإلا فإني أحرج عليك أن تنظر. قال: فنظرت إليها فتزوجتها، فما تزوجت امرأةً كانت أحب إلي، ولا أكرم علي منها.
وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي تزوج امرأة من الأنصار: «أنظرت إليها؟» قال: لا، قال: «فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئا» (صحيح مسلم: 1424).
إلا أن الجمال على أهميته ليس المقوم الوحيد والأوحد لحياةٍ زوجيةٍ هنية، وأكثر ما في الأمر أنه أحد أركان منظومةٍ متعددة الجوانب، وعاملٌ من عدة عوامل، لا ينفرد عنها بأهمية خاصة ولا ميزةٍ فرديةٍ، فالجمال لا قيمة له مع الزوجة البلهاء ضعيفة العقل أو ممسوخة الشخصية، وما ينفع الجمال مع المرأة غير النظيفة، وهل للجمال فائدة مع الزوجة الملولة أو الكسولة أو الكذوبة .. والنماذج كثير.
لكن المشكلة تتجلى وبوضوح عند البحث عن شريكة الحياة اقتراناً مع ضعف خبرة الشباب بجوانب الحياة الزوجية النموذجية، حيث يتطوق جميع الشباب إلى الزوجة الصارخة الجمال، الممشوقة القوام، الفريدة في الملامح، وصار الأمر كحال الجائع الذي يجول خاطره في صنوف الطعام ويتصور أنه يمكن أن يلتهم طعام الدنيا بأسرها لو تهيأ له.
والكل يتناسى أن النفس ملولةٌ، وأنها تمل حتى أنعم النعم لو طال العهد بها، وتتشوق دوماً للتجديد والتغيير، ولو استرسل المرء مع رغباته ونزواته لما دامت عشرة بين زوجين، فصاحب الزوجة البيضاء قد يشتهي السمراء، ورغم الزوجة الطويله ترغب النفس في القصيرة، ومع البدينة تتطلع للنحيفة .. وهلم جرا.
ولذلك كان للتجديد دورا لا يستهان به في استقرار الحياة الزوجية والقضاء على سحابة الفتور والملل التي تغيم عليها، من تجديد في المظهر وفي الثقافة، والتجديد حتى في طبيعة التحاور والتواصل (الهدية نموذجاً) والعلاقات الخارجية بالأسرة وترتيب المنزل.
بل ربما صارت الزوجة الجميلة بلاءً وشقاءً لزوجها خاصةً إذا كانت متكبرةً ترى في جمالها منحةً لا يستحقها زوجها، وأنها ببهاء منظرها الخلاب كان يمكن أن تتزوج الأقوى أو الأعلم أو الأغنى، وهنا مكمن الخطر الذي ربما يهدد استقرار الحياة الزوجية، فمثل هذه الزوجة لا تلين لها قناة مع زوجها، وهي أشبه بالناقة الشاردة عن مسيرة القافلة، منوعةٌ متمردةٌ دوما، وهي إلى الخيانة أقرب، وحينها تقع المصيبة العظمى التي تأتي على كيان الأسرة بالكامل.
والطامة الكبرى لو تسرب هذا المفهوم المدمر لقناعة ونفسية الزوج، فاعتقد أن زوجته الفاتنة أكبر منه بمراحل وأعظم مكانةً بمسافات، فهو بينها ممسوخ الشخصية، كالعبد بين يدي سيده، وكالأسير بين يدي آسره، يبذل قصارى جهده لينال الرضا وهيات له النيل، فهو المكدود المتعب، بل ربما شقي في هواها وتحمل عنها ما هو منوطٌ بها من طبخٍ وغسلٍ ومسحٍ ورعاية ولد، لا يرد لها طلباً ولو فوق إمكاناته، ولا يعصي لها أمراً ولو بان له خطأه وجوره، بل ربما استدان ليرضيها، واختلس ليكفيها، وقطع رحمه ليحتويها، لا يبالي في هواها بصواب من خطأ، أو حلالٍ من حرام.
وهذا عين المذمة وأبشع فخ تنصبه الزوجات للأزواج، وهو «الهوى» الذي يهوي بصاحبة إلى أتون الشقاء في الدنيا والآخرة، ولذلك يقول الماوردي: وقد كرهوا شدة الجمال البارع لما يحدث عنه من شدة الإدلال المؤدي إلى قبضة الإذلال.
ويقول ابن تيمية رحمه الله في وصف حال هذا الزوج التعيس: (هؤلاء عشاق الصور، من أعظم الناس عذابًا وأقلهم ثوابًا، فإن العاشق لصورة إذا بقي قلبه متعلقاً بها مستعبداً لها اجتمع له من أنواع الشر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، ولو سلم من فعل الفاحشة الكبرى فداوم تعلق القلب بها بلا فعل الفاحشة أشد ضرراً عليه ممن يفعل ذنبا ثم يتوب منه ويزول أثره من قلبه وهؤلاء يشبّهون بالسكارى والمجانين).