إن الله جل وعلا يا حبيباتي قد بيَّن في كتابه العزيز أن الأمراض تنقسم على قسمين: مرض في الأبدان، ومرض في القلوب، فالأول معلوم ومنصوص عليه في مواضع من كتاب الله العزيز، ومع هذا فقد بيَّن جل وعلا في كتابه العزيز أصول شفاء الأبدان، وأنها ثلاثة أصول:
(أ) حفظ الصحة.
(ب) استفراغ المادة المؤذية.
(ج) الحمية عمَّا يضر الصحة.
وهذه الأصول الثلاثة هي أساس طب الأبدان، وقد أشار إليها جل وعلا جميعاً في مواضع من كتابه العزيز، وليس هذا مجال بسطها.
وأما طب القلوب ودواء النفوس فإن الله جل وعلا يا اخواتي أشار إلى هذا المرض بقوله: (( فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ))[الأحزاب:32]، وقال جل وعلا: (( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ))[البقرة:10]، فالأول مرض الشهوة المحرمة، والثاني مرض الشبهة والشك. وهذه أصل أمراض القلوب، فإن القلق والوساوس والخوف الزائد المنحرف من الأمراض والموت والفزع كل ذلك مرده إلى ضعف اليقين وضعف القرب من الله تعالى، وسبب ذلك إما غلبة الشهوة المحرمة على القلب، وإما ورود الشبهة أو ضعف اليقين.
إذا عُلم هذا؛ فإن علاج جميع الأمراض النفسية أخواتي في الله - كلها وبلا استثناء - لا يتم على الوجه المستقيم الصحيح إلا من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم
ثبت بذلك حبيباتي أن علاج الأمراض النفسية إنما يكون من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي بيّن علاج جميع أمراض النفوس، بل إن الدين ما جاء إلا لشفاء هذه النفوس من كل ما يعتريها من الأمراض والعوارض التي تضرها، فأصل شفاء النفوس راجع إلى هذه الشريعة الكاملة التي فيها ما يقتلع ويجتث أصل الوساوس والقلق والهم والحزن والكآبة والاكتئاب وضعف الثقة بالنفس والرهبة من العوارض أو الاجتماع وغير ذلك، ولذلك كانت أسلم القلوب هي قلوب الصحابة رضوان الله عليهم ومن سار على طريقهم ممن هداه الله وشرح صدره.
واصطلاح الشريعة في سلامة النفس من جميع الأمراض يقع التعبير عنه بانشراح الصدر تارة وبسلامة القلب تارةً أخرى كما قال جل وعلا: (( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ))[الشعراء:88-89]، وقال تعالى: (( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ))[الزمر:22]، وقال تعالى: (( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ))[الأنعام:125].
ولذلك كان المنبع الصافي في علاج أمراض النفس جميعها أخواتي من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما النظريات النفسية التي أصل وضعها في العصر الحديث والقديم من الأمم الغابرة فهذه النظريات منها ما هو حق، ومنها ما هو باطل، وما كان منها من حق ففي الدين وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يغني عنه، وأما الباطل فكثير لا يحصى، ولذلك تجد الاضطراب البيِّن في تقرير من الظواهر النفسية التي هي من صميم علم النفس كظاهرة الأحلام مثلاً، فإن جميع من تصدى لتفسيرها وبيان حقيقتها من هؤلاء المتكلمين في الأصول النفسية بدون الرجوع إلى أصل الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم قد اضطرب اضطراباً بيِّناً كما وقع لفرويد في تفسيره لظاهرة الأحلام التي هي من أهم مجالات البحث النفسي، حيث صنف فرويد كتاب تفسير الأحلام ووضع نظريته فيها التي جعل فيها أبرز القوى الحافزة للأحلام هي رغبات جنسية طفولية كامنة في النفس، فجعل أكثر اهتمامه إلى القدرات العقلية التي تعمل على تعويض مظاهر الأعضاء الجنسية والنشاطات الجنسية بوجه عام!!.
ثم بيَّن تلميذه كارل غوستاف يونج C.ggyng تهافت نظريته، وحاول أن يُوجد نظرية أقرب إلى الواقع وسميت نظريته بـ (نظرية ينج في تفسير الأحلام)، ثم بعد ذلك اعترف بالعجز الكامل والإخفاق المطلق في الوصول إلى تفسير ظاهرة الأحلام، فقال مسلِّماً لهذا العجز الكامل: "ليس لدي نظرية عن الأحلام، فلا أعرف كيف تنشأ الأحلام، وإني تماماً لفي شك فيما إذا كانت طريقتي في معالجة الأحلام تستحق حتى تسميتها بطريقة ... إلى آخر كلامه". فهذا من إنصافه ورجوعه إلى الحق، فإن كل من أراد أن يفسر ظواهر نفسية دون الرجوع إلى أصل الدين المعصوم المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم فلابد له من أن يضطرب ويخلط في كلامه، ولا يصل إلى النتيجة الصواب في أكثر كلامه لأنه يتناول أموراً غيبية أو أموراً تتعلق بشفاء الأنفس الذي لا يمكن أن يكون إلا من جهة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم.
والمقصود أن ترى مثالاً للاضطراب في الكلام في حقائق النفس وشفاءها إذا التمس ذلك من غير جهة هذه الشريعة الكاملة التي ما جاءت أصلاً إلا لتخليص النفوس من أدرانها والمواد الفاسدة التي تفسدها والتي أعظمها الشرك بالله ثم بعد ذلك سائر الأمراض النفسية من القلق والهم والرهبة المرضية والوساوس المقلقة وغير ذلك من أدواء النفوس.
لا يوجد أي ردود على هذا الموضوع