النفاق...

النفاق... Hayah /templates/dist/assets/img/logo.png
إنّ مصطلح "نِفاق" لم يكن معروفاً ولا مُستخدَماً عند العرب قبل الإسلام، فهو مصطلح إسلامِيٌّ بحت؛ تم إطلاقه على فئة من النّاس بعد رسالة الإسلام. والنِّفاق في اللغة مأخوذٌ من النَّفق الذي يحفره الحيوان وله مدخلين، إذا حاول أحدٌ اصطياده من أحدهما هرب من الآخر. وسُمِّيَ المنافق بهذا الاسم لأنه ذو وجهين، يُظهِر الوجه حسب الموقف والحاجة، بالتالي هو في اللغة أن يُظهِر الشخص عكس ما يبطن. واصطلاحاً هو إظهار الإيمان وإخفاء الكُفر. والنِّفاق من أشدُّ الأمراض المجتمعية خطورة، وهي أكبر دعائم الفساد وانهيار المجتمع، ولشِدَّة خطورة هذا الأمر في الدنيا والأخرة؛ فقد سأل الفاروق عمر بن الخطَّاب – وكلُّنا يعرف من هو عمر وما فضائله – حذيفة بن اليمان: يا حذيفة، ناشدتك بالله، هل سماني لكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم – أي من المنافقين –؟ قالَ: لا ولا أُزكّي بعدكَ أحداً. إنّ من أخطر أمراض المجتمع أن يُظهِر الشخص عكس ما يُخفي، فتضيع الحقيقة ويتنشر الكذب بين جميع فئات المجتمع، ونهاية مثل هذا الأمر هو ضياع الثِّقة بين الناس، فإذا أصبحت ثقافة مجتمعية؛ انهار المجتمع لأن الجميع سيظن أن كل من يقابلهم منافقٌ كذَّاب. والنَّفاق في الإسلام على نوعين، الأول نِفاقٌ أكبر، وهو – والعياذُ بالله – المُخرِجُ من الملة، وهو إظهار الإيمان وإخفاء الكفر، فالله عالمٌ بالقلوب، ويعلم المنافِق مِن غيرِ المُنافق، قال تعالى (إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً)، عِقابٌ شديدٌ جداً؛ أجارنا الله وإياكم منه. أمّا النوع الثاني فهو النفاق الأصغر. ما زال النِّفاق على معناه، ولكن هُنا يبقى الإيمان في القلب، ولكن الشخص يُظهِرُ عكس ما يبطن، ولكنه لا يُخرِج صاحبه من الإيمان؛ إلا إذا زاد وسيطر على القلب وأصبح صاحِبه مُنافِقاً خالصاً. ونجد أفضل تصوُّرٍ لهذا الأمر في حديث الرسول صلى الله عليه وسلَّم (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر). خِصال النِّفاق كريهة، فهي عبارة عن خيانة وكذب وغدر وفجور، الواحدة منهن سيئة بدرجة أن نتعوَّذ منها إلى يوم الدين، فما بالكم بمن اجتمعت لديهم كل هذه الخِصال الدنيئة؟ هل له من أمان؟ هل تطمئنَّ له؟ هل من الممكن أن تُدخِلَهُ بيتك أو تُطعِمه من طعامك؟ خِصالٌ مُنفِّرة تشمئزُّ منها النفوس الطيبة. النِّفاق مرضٌ عُضال لقول الله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ(8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)، ليس مرضاً جسدياً، بل هو مرضٌ للقلوب، وما أصعب هذا النوع من الأمراض، وسيزيدهم الله مرضاً فوق مرضهم، هذا في الدنيا، وعذابهم أليمٌ في الآخرة. النِّفاق دعوة لهدم القِيم الأخلاقية ونشر الفاحشة بين الشعوب، قال تعالى (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، هدمٌ للقِيم بأمرِهم للمُنكر ونهيهم عن المعروف، فيضيع الخير بين الناس؛ ويُصبح المجتمع فاسداً منهاراً. اتقوا الله يا عِباد الله، كُلُّنا فيه خصلة واحدة على الأقل من النِّفاق، ولا أزكِّي نفسي، والتخلُّص من مثل هذه الخِصال ليس بالأمر اليسير، بل أنه شديد الصعوبة عند البعض؛ لأنهم قد تعوَّدوا عليه وأصبح جزءاً من حياتهم اليومية، والعلاج الشافي لهذا المرض الخطير، يكون بتقوى الله عزَّ وجل، وأن يضع الإنسان مخافة ربِّه بين عينيه، فلا يعملُ عملاً ولا يقولُ كلمة إلا وهو مراقبٌ الله قبل أن تصدُر منه، بهذه الطريقة لا يمكن أن يكذب أو يخون أو يغدر أو يفجُر، لأنه يعلم علم اليقين أن الله مراقبه؛ وأن الحساب آتٍ لا محالة.
منقول ...