العلاقة التكاملية بين الزوجين

العلاقة التكاملية بين الزوجين Hayah /templates/dist/assets/img/logo.png
الزواج هو عقد يبرمه الرجل والمرأة لتكوين حياة مشتركة تستظل بسقف واحد، ويتضمَّن هذا العقد مجموعة من الشروط والضوابط التي تنظم علاقاتهما المتداخلة، وذلك من أجل إرساء قواعد متينة تحفظ حقوقهما وتحدد واجباتهما، فالزواج – كعقد مشترك – مسألة تجمع عليها مختلف القوانين في جميع الدول والمجتمعات، من جانب آخر فإن شقاء الأسرة وسعادتها يواكبان مسيرة بناء المجتمع كما يشكلان معياراً لسعي الرجل والمرأة في خلق أجواء صحية ومناخ مناسب، وتوفير الظروف المناسبة لنمو شجرة السعادة وامتداد جذورها في أرض معطاء وما أكثر أولئك الذين اخطأوا طريق السعادة بسبب جَهلهم وعدم رعايتهم للحقوق والواجبات الزوجية، فقضوا أعمارهم في نزاع وخلاف وشجار لا نهاية له ولا ثمرة من ورائه سوى المرارة والألم والعذاب.
إن جميع الأديان السماوية والقوانين الوضعية تؤكد على أهمية الحقوق والواجبات الاجتماعية وضرورة رعايتها من قبل الطرفين من أجل إرساء دعائم الحياة المشتركة بينهما في جو مفعم بالسلام، أما بحث مسألة حقوق فرد ما فيعني بحث مسألة واجبات الفرد الاخر، فعندما نطرح مثلاً مسألة حقوق الطفل على الوالدين فهذا يعني أننا نبحث مسألة واجبات الوالدين تجاه الطفل، لذا هناك توازن بين الحق والواجب فلكل فرد حق معين، وعلى كل فرد واجب محدد وأي إخلال في هذا التوازن يعني بروز قضية العقاب والجزاء لإعادة الأمور إلى نصابها.
وتحتلُّ مسألة الحقوق في الإسلام مساحة واسعة، وتحظى بأهمية كبيرة، وقد سُئل الإمام الرضا – عليه السلام – عن حق المؤمن على المؤمن، فقال عليه السلام: ( إنَّ مِنْ حَقِّ المُؤمِنِ عَلَى المُؤْمِن المَوَدَّةَ في صَدْرِهِ والمُوَاسَاةَ فِي مَالِه، ولا يقول له: أفٌّ، فإذا قال له أفٌّ فليس بينهما ولاية، وإذا قال له أنت عدوِّي فقد كفَّر أحدهما صاحبه، وإذا اتَّهمه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء)، فاذا كان لمسألة الحقوق كل هذه الأهمية فإنَّ أهميتها الكبرى تتجلَّى في الحياة الزوجية، حيث يتعين على إنسانين العيش معاً تحت سقف واحد، والسير سوية في طريق واحد، لذا يتعيَّن على الرجل والمرأة الإحاطة بشكل عام بالواجبات والحقوق المتبادلة بينهما من أجل إرساء حياة هادئة مفعمة بالحب والسلام.
وبالرغم من الدور الفاعل للحب والمودَّة في تعزيز العلاقات الزوجية، إلاَّ أنَّ مسألة احترام الحقوق تحظى بأهمية كبيرة في مجال العلاقة بين الزوجين، فقد يواجه الزوجان – مثلاً – تنوعاً واختلافاً واسعاً في الذوق والميول والرغبة، ومن أجل تلافي الاصطدام بينهما فإنَّ تحكيم الحق والواجب هنا هو الأساس في الفصل وحَلِّ المشكلة قبل أن تتطور إلى نزاع أو شجار. ولهذا شرع الإسلام لكل فرد من أفراد الأسرة حقوقاً معينة ينبغي احترامها وعدم تجاوزها.
وهنا ينبغي الإشارة إلى أن عدم رعاية الزوجين لحقوق كل منهما يعني مخالفة صريحة للتعاليم الإلهية، وهو أمر يعرِّض الإنسان للحساب والعقاب. فاحترام ورعاية الحقوق الزوجية هو واجب شرعي يتوجب الالتزام به، إضافة إلى آثاره الإيجابية في إشاعة الدفء والحب في أجواء الأسرة.
وإن ما يدعو إلى الأسف حقاً أن يتجاهل الرجل والمرأة تلك الحقوق، ويهملا واجباتهما تجاه بعضهما البعض، أما مسألة زعامة الأسرة فهي ليست امتيازاً في نظر الإسلام بقدر ما هي مسؤولية تتطلب إدارة الأسرة وقيادتها في الطريق الصائب، حيث يتبلور دور العقل والتجربة في شؤون الحياة، إضافة إلى عناصر التضحية والإيثار والصبر، ويشير الاسلام الى مسألة توزيع الواجبات في الأسرة ويؤكد عليها، بعد أن يأخذ بنظر الاعتبار قابليات كل من الزوجين وقدراتهما الفطرية.
وهنا نرى رسول الله – صلى الله عليه وآله – يسند شؤون المنزل وإدارته إلى فاطمة الزهراء – عليها السلام – بينما يوكِّل الأعمال خارج المنزل إلى زوجها الإمام علي بن أبي طالب – عليه السلام -، فالإحساس المتقابل بمسؤولية الزوجين تجاه بعضهما البعض له أثره الكبير في رسم صورة واقعية للحياة، تساعدهما على السير بثبات واستقامة نحو الهدف المنشود.
ويتحمل الرجل في الإسلام مسؤولية إدارة الأسرة وتوفير ما تحتاجه من غذاء وكساء، كما أنه في الخط الأول في مواجهة الأخطار التي تهدِّد كيانها ومصيرها، وإضافة إلى ذلك يتحمّل الرجل مسؤولية بناء الأسرة على أسس صحيحة ليكون البناء سليما، وعلى الرجل أن يكون واسعاً في تفكيره وأن لا يحصر همَّه في تحقيق متعة شخصية، وأن لا يجعل همَّه الأول هو الحياة الدنيا وملذاتها، لأن ذلك يقود في النهاية إلى انحطاط الأسرة وتفككها.
أما المرأة فتتحمل مسؤولية كبرى في الحياة الأسرية، بل هي تشكل محور الأسرة، فعليها تقع مسؤولية إدارة المنزل وتربية الجيل الجديد تربية صحيحة. ومع كل هذه الأهمية في دور المرأة فإننا نؤكد على خطأ زعامة المرأة للأسرة، لأنها بمثابة القلب النابض الذي يمد الأسرة بالحياة والنشاط والأمل، في حين يمثل الرجل دور العقل المدبِّر في قيادة الأسرة، ولهذا فإنَّ كِلا الدورين يُكمِل أحدهما الآخر في تناغم وانسجام.
ولا تنحصر مسؤولية الزوجين تجاه بعضهما البعض بل أنها تشمل دائرة أوسع من ذلك بكثير، ذلك أنهما مسؤولان عن أبنائهما، فالطفولة لها حق كبير، وتربيتهما تربية صالحة هي مسؤولية كبرى تقع على عاتق الوالدين؛ فالأطفال بحاجة دائمة إلى محيط أسري هادئ يشعرهم بالطمأنينة والأستقرار، أما النزاع والاختلافات فهي بمثابة العاصفة الهوجاء التي تدمر مشاعر الطفل وتقذف في قلبه الخوف والقلق. وإذا كانت هناك هموم تعكِّر صَفو الحياة فينبغي على الوالدين معالجتها بعيداً عن الأطفال، فالابتسامة والحنان والمحبة والرعاية هي حق الطفولة، وهي من واجبات الوالدين.
الحياة الأسرية تقوم على الأخلاق الرفيعة والصفات الإنسانية السامية، وتتعارض مع الغرور والأنانية. وإذا تذكَّرنا أنَّ لدينا حقوقاً فيجب أن لا نتناسى حقوق الآخرين، فإذا كان لنا حق في الحياة الأسرية الهادئة، فإن لأزواجنا نفس هذا الحق المفترض. وإنها لنَظْرة ضيِّقة للحياة عندما لا نرى سوى أنفسنا ومصالحنا فقط، فإن أكثر الخلافات التي تحتدم في فضاء الأسرة إنما تنشأ من الأنانية، وعدم أخذ الطرف الآخر بنظر الاعتبار. فصحيح أنه يجب أن نعتمد على أنفسنا، لكنه لا يعني مصادرة آراء الآخرين، وهناك مع الأسف أفراد لا يرون سوى مصالحهم الشخصية فقط، بل لا يرون سوى أنفسهم، حتى أنهم لا يتحدَّثون مع أحد انطلاقاً من إعجابهم الشديد بأنفسهم، ومثل هؤلاء الأفراد يعيشون عزلة مريرة.
فالزواج يأخذ في حسابه المصلحة العليا للأسرة، فليس هناك مصالح شخصية، أو زعامة دكتاتورية، أو محاولة للسيطرة على الآخرين، فكلُّ هذا يُعد خطراً على الأسرة وكيانها، ولا ينبغي هنا تقليد النماذج الاجتماعية في بعض البلدان، فلكلٍّ ظروفه وأساليبه في الحياة، وهنا ينبغي التحرك ضمن معطيات الظروف. كما ينبغي أن نعرف حدودنا، فلا نتجاوز على حقوق الآخرين مِمَّن يشاركوننا حياتنا، فقد ينجح فلانٌ من الناس في حياته الأسرية باعتماده أسلوباً ما، ولكن هذا الأسلوب اذا ما طبقناه نحن فقد يدمِّر حياتنا العائلية، فلكلٍّ طريقته في الحياة.

   أتمنى أن يعجبكم الموضوع شاركوني و طرحو موضوعات لتناقش و الإفادة انا سيلين من الجزائر تعلقاتكن تهمني